كيف أسلم عمر بن الخطاب من أجل غد أفضل

كيف أسلم عمر بن الخطاب من أجل غد أفضل

كان في السادسة والعشرين عندما أصابته دعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قلبه: " اللهم أعز إلاسلام بأحب الرجلين إليك ؛ بأبي جهل بن هشام أو عمر بن الخطاب " وكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب.

هكذا بدأت الحكاية ، دعوة جذبته من ياقة كفره إلي نور الإسلام ، وانتشلته من مستنقع الرذيلة إلي قمة الفضيلة ، واستلته من دار الندوة إلى دار الارقم!

 

إسلام عمر بن الخطاب 

أخبرنا إسحاق بن يوسف بن الأزرق قال أخبرنا القاسم بن عثمان بن البصري عن أنس بن مالك قال: خرج عمر متقلد السيف لقتل النبي فالتقى برجل من بني زهرة يقال له نعيم بن عبدالله العدوي ، وكان قد أسلم وأخفي إسلامه فزعا من قومه فقال: إلى أين يا عمر ؟.                      

فقال عمر: أريد محمداً الذي فرق أمر قريش ، وعاب دينها ، لأقتله !

فقال : والله غرتك نفسك ، أتري بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً ؟! أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم ؟!

فقال عمر : وأي اهلي ؟

فقال : ابن عمك واختك فاطمة ، فقد والله أسلما ! 

فذهب عمر غاضباً قاصداً بيت اخته فاطمة وزوجها سعيداً فلما أتاهما سمع صوت خباب بن الأرت يقرئهما القرآن ، فطرق الباب طرقا شديدا ، وقال : افتحوا!

فاختبأ خباب من فوره ، وفتح سعيد الباب فدخل عمر وقال : ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكما ؟

فقالت فاطمة: ما سمعت شيئاً ، كنت وسعيدا نتحدث في بعض أمرنا . 

ولكن هذا الكلام لم ينطل علي عمر فقال لها : يا عدوة نفسها ، أصبوت ؟ 

فسكتت ولم تجب !

فقال لهما : لعلكما صبوتما وتركتما دينكما الذي أنتما عليه ؟!

فقال له سعيد : يا عمر ، أرأيت إن كان الحق في غير دينك ؟

فلم يحتملها منه ، فضربه ضربا شديدا ، فقامت فاطمه لتزيحه عنه ، فضربها عمر علي وجهها فسال دمها ! 

فقالت وهي غاضبه وتمسح الدم عن وجهها : يا ابن الخطاب اصنع ما شئت، فقد أسلمت ! ومضت تجلس في مكانها…

فلما رأى هذه الجرأة من فاطمة ، والدم علي وجهها ، رق قلبه لها وقبل أن يتكلم ، رأي الصحيفة التي كان قد أخفتها لحظه دخوله عليهم ، فقال : أهذه التي كنتما تقرأن بها؟  أعطوني إياها.

فقالت: إنك رجس ، وإنه لا يمسه إلا المطهرون ، فقم وإغتسل ! 

وكانت تلك المرة الأولي التي احس فيها عمر بذل الشرك ! فاطمة المطيعه له ترفع صوتها في وجهه وتقول له : أسلمت فاصنع ما شئت ! وتمنع عنه صحيفة طلبها ! 

فقام عمر وإغتسل وأخذ منها الصحيفة وقرأ فيها سورة طه 

_ويحدثنا أمير المؤمنين بما أحس ، وبما حدثته نفسه وهو يقرأ الآيات ؟ 

قال عمر كانت الآيات تصيبني في قلبي فأحس أنها كالمعاول تهدم هبل واللات وتكتب اسم الإله الواحد خالق كل شيء ، ومبدع كل شيء ، كانت كشمس الصباح إذ تطرد عتمة الليل وتحل مكانها ، وكان السياق القرآني في مطلع سورة طه هو كل ما أحتاج ، خطاب لمحمد وقصة لموسي عليهما السلام.

_ويكمل أمير المؤمنين حديثه عم فعلت به الآيات ، وكيف كان بين خطاب لنبي وقصه لنبي اخر ؟!

_"طه ﴿۱﴾ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ ﴿۲﴾"خطاب طمأنة! وكنت صاحب بلاغه لأعرف أن ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي تعني أننا أنزلناه عليك لترتاح ، فعرفت بعدها كيف صبر النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه علي كل هذا العذاب الذي كلناه لهم ، لقد كنا نعذب أجسادهم معتقدين أننا إذا عذبنا الأجساد أعدنا القلوب والعقول إلى دين قريش ، كنا نعتقد أننا بالجسد نملك الروح ، ولكنني أن الذي يملك روحه وقلبه لا يمكنك أن تجعله يركع ولو ملكت جسده ، وهذا بالضبط ما فعله محمد (صلى الله عليه وسلم) ، لقد حرر قلوبهم وأرواحهم حتي وهم عبيد وموالي .

_ثم ماذا يا أمير المؤمنين ؟

_"إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَىٰ" هنا اتضح لدي جفاء الشرك وقسوته ، ولين الإيمان ونعومته ، نحمل عليهم بالسياط لتأكل من ظهورهم ، ونلقيهم علي رمال مكة الملتهبه لتكتوي جلودهم ، ثم لا يكون الخطاب اجلدوهم كما جلدوكم ولا اطرحوهم كما طرحوكم ، وإنما " تذكرة " ، وعظ حسن ، وكلمة رقيقه ، وهذة كانت وظيفه النبي (صلى الله عليه وسلم) .

_ثم ماذا يا أمير المؤمنين ؟

_"تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى" هنا أدركت فاجعة الشرك ، وعرفت أيه آلهة عاجزة كنا نعبد ، أنه الفرق بين الصانع والمصنوع ، نشتري العبد بأموالنا ،ثم نكل إليه نحت إلهنا الذي نعبد! وهذا إله آخر إله حقيقي ،أوجد كل شيء ، وخلق كل شيء ، خلق الأرض التي عليها نعيش ، وخلق السماء التي تعلو رووسنا ، عندها فقط تنتبه أن كل ما حولك لا بد له من صانع ، إله يقول لك : ما أريدك أن تشقي! 

_ثم ماذا يا أمير المؤمنين ؟

_"الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ" يخبرك أنه خلق السموات والأرض ، ثم لا يقول لك الجبار ولا القوي علي العرش استوى ، إنه الرحمن ! الرحمن رغم أن العقاب والمرض والرزق والموت بيده ، يريد أن يطمئنك لا أن يخوفك ، يريد أن تحبه أكثر مما تخشاه .

_ثم ماذا يا أمير المؤمنين ؟

_"لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ" غني عنك ولكنه يريدك أن تأتيه ، يريد أن يهديك لأجلك لا لأجله ، كفرك لن ينق من ملكه ذرة ، وإيمانك لن يزيد في ملكه ذرة ، إنه طلب المستغني المحتاج ، وطلب القادر العاجز ، وطلب الخالق المخلوق ، أي رفعة بعد هذا ؟ وأي رحمة ؟! 

_ ثم ماذا يا أمير المؤمنين ؟

_"وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى" هنا عرفت أن ثمة رب مطلع على كل شئ ، ينظر إلى القلوب ، وكل قلب علم فيه خيراً جاء به إلى نبيه ، وانتبهت أن الخطاب ليس وعيدا كما يبدو في ظاهره ، فلم يكن يريد أن يقول لنبيه احذرني فإني أعرف سرك كما أعرف جهرك ، أنه خطاب طمأنة وتحبب ، أراد أن يقول له أنا معك في سرك كما في جهرك ، أراد أن يقول له حتي وجعك الذي لا تنطق به أعلمه وسأداويه ، وحتي ضيقتك التي لا أبوح بها أعلمها وسأبددها! 

_ ثم ماذا يا أمير المؤمنين ؟

_"اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى" هنا سقطت كل آلهة قريش بالضربة القاضية! لا يستقيم أن تعبد أله أبيك الخطاب وإله محمد الصادق ، لا يرتضي إلا توحيدا كاملا ، يريدك أن تخلع عن قلبك رداء الجاهلية ، لا يجتمع ظلمه و نور في قلب واحد ،إنه التفرد ، وإنها الوحدانية.

"وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى" يأخذ منك قلبك ، وسمعك ، وروحك ، يعلم أن حديث موسي ما جاءك من قبل ، وما سمعت به ، ولكنه أدب الرب ، ولو قال اسمع حديث موسي الذي لا تعرفه ، لصدق ! ولكنه بلطف وأدب وحنو يسألك : هل أتاك ؟ ثم لماذا موسي بالذات هنا ؟ ما الذي يجمع بين عمر بن الخطاب وموسي بن عمران ، لماذا أحسست وقتذاك كأن بيننا تشابه ؟ 

_ ثم ماذا يا أمير المؤمنين ؟ 

_ ثم "إذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى"هذا هو المشترك بين عمر بن الخطاب وموسي بن عمران ، كلانا كان يبحث عن أمر الدنيا فكان أمر الآخرة يبحث عنه ! يسير موسي في الصحراء ليلا فيري نارا فيأنس ، ولما جاءها وقع ما لم يكن بالحسبان ، خرج موسي طالبا للنار فعاد حاملاً النور ! وهذا ما حدث معي خرجت أريد قتل محمداً ، أي أنني خرجت في طلب النار ! فعدت بالنور كما عاد موسي ! 

_ ثم ماذا يا أمير المؤمنين ؟ 

_ ثم "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَي (١٢)إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (١٣)وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى" ما أحلاها من كلمة: أنا أخترتك ! هكذا عن دون ملايين الناس يختار الله موسي ويطلب منه أن يستمع لما سيوحيه إليه ، شعرت أني معني بالخطاب ، لقد إختارني أيضا ، كانت تلك أول لذة شعرتها ولم أكن أسلمت بعد ، وكما لم يحمل موسي لواء النبوة بعد ، ولكنها لذة الاختيار ، إن الذي اختارني هو رب العالمين ليكلفني أمرا من أمور الآخرة ، وقررت أن أري لأي شيئاً اختارني وإن كنت لا أعلم بعد لماذا أختارني ، ولكني علمت فيما بعد أن الرجل الذي خرجت أريد أن أقتله كان يدعو ربه ليهديني ! 

_ ثم ماذا يا أمير المؤمنين ؟

_" إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي" يريد أن تقيم له الصلاة ، أن تنتصب بين يديه ترفع يديك قائلاً" الله أكبر " تلقي الدنيا كلها ورأت ظهرك ، هو أكبر من كل ما يشغلك ، أكبر من كل ما تخاف ، ثم يتلو قلبك كلامه قبل لسانك ، ثم تركع لترتفع ، وتسجد لتسمو ، العبودية لله هي الحرية الوحيدة الحقة.

_ ثم ماذا يا أمير المؤمنين ؟ 

_ "إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَي (١٦)فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى" هناك آخره وحساب حيث تنصب الموازين ، وتنشر الدواوين ، وتكتشف السرائر ، وتنطق الجوارح ، وما هذه الدنيا إلا إمتحان ، ثم عرفت كيف صبروا على كل هذا العذاب ، كان ربهم يثبت قلوبهم في الطريق إليه قبل أن يثبت أقدامهم ، "فلا يصدنك عنها" كان يحذرهم منا ، ويعزيهم به ، ولهذا انتصروا رغم ضعفهم وهزمنا رغم قوتنا .

_قال أمير المؤمنين بعد ذلك : أمن هذا فرت قريش ؟! دلوني علي محمد .

خرج خباب بن الأرت لما سمع كلام عمر بن الخطاب ، وكان قد اختبأ خوفاً منه .

وقال له : أبشر ياعمر فإني أرجو أن تكون أصابتك دعوة رسول الله (صلي الله عليه وسلم) لك ليلة الخميس : اللهم أعز إلاسلام بأحب الرجلين إليك: بأبي جهل بن هشام أو عمر بن الخطاب، وكانت تلك المرة الثانية التي سمع فيها عمر بأمر هذا الدعاء.

انطلق عمر بعد ذلك إلى دار الارقم ، وكان يقف على الباب حمزة وطلحة ،وكان حمزة قد أسلم منذ ثلاثة أيام ، فلما رأى القوم عمر وجلوا ، فلما رأى حمزة وجلهم ، وكان رجلاً شجاعاً قال لهم : نعم هذا عمر ، فإن يرد الله به خيراً يسلم ، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينا ! 

فطرق عمر الباب ، ففتح النبي (صلي الله عليه وسلم) له ، وأخذه بمجامع ثوبه ، وجذبه إليه جذباً قوياً ، وقال : اللهم اهد عمر بن الخطاب ، اللهم أعز إلاسلام بعمر بن الخطاب! 

فقال عمر: أشهد أنك رسول الله.

أثر إسلام عمر في الدعوة الإسلامية.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نطوف بالبيت ونصلي ،حتي أسلم عمر ، فلما أسلم قاتلهم حتي تركونا ،فصلينا وطفنا .