الشدة المستنصرية وكيف أكل الناس لحوم البشر و

الشدة المستنصرية وكيف أكل الناس لحوم البشر و
(اخر تعديل 2023-09-30 17:42:18 )

شهدت مصر الكثير من المصائب والأزمات عبر التاريخ ولكن لم تمر عليها أزمة أشد من الشدة المستنصرية ، فهى أصعب أزمة حدثت لمصر منذ فجر التاريخ ، ولم تشهد مصر مثلها .

وفى خلال السطور التالية سوف نتعرف على الشدة المستنصرية وأسبابها وكيف زالت من مصر ..

كيف ومتى حدثت الشدة المستنصرية فى مصر ؟

وقعت الشدة المستنصرية عام ١٠٦٥م واستمرت حتى عام ١٠٧١م أثناء الخلافة الفاطمية فى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر ، وامتدت هذه الأزمة لمدة سبع سنوات ، وقد ذكر المؤرخون " أن الشدة المستنصرية من أشد المجاعات التى حدثت فى مصر ولم تشهدها البلاد منذ أيام النبى يوسف عليه السلام " فاشتد الغلاء بالناس ، ولم يجد الناس ما يأكلونه ؛ مما اضطرهم لأكل بعضهم ، وكذلك اضطروا لأكل الحيوانات والدواب وحتى أكلوا نحاتة النخل .

وقد بيع رغيف الخبز بخمسين دينارا ، حتى وصل الأمر إلى بيع الكلب بخمسة دنانير ، وحتى قيل : " إن حارة مصرية قد بيعت بطبق خبز ؛ فعرفت تلك الحارة بعد ذلك بحارة طبق " ، وقد وصل الأمر إلى أن الخليفة الفاطمى المستنصر لم يجد ما يأكله فى تلك الأيام ، فكانت تعطف عليه امرأة من الأثرياء وهى الشريفة بنت صاحب السبيل وترسل له كل يوم بطبق لكى يأكل .

أسباب الشدة المستنصرية

1- يقال أن السبب الرئيسى لحدوث الشدة المستنصرية هو توقف فيضان النيل لمدة سبع سنوات بسبب ظلم العباد وانتشار الظلم و الفساد فى البلاد ، فقل منسوب النيل مما أدى إلى تصحر الأراضى الزراعية ، وانعدام الزراعة ، وكساد التجارة فى مصر ، وخراب البلاد المصرية وانتشار المجاعات فى كل أرجاء مصر ، مما أدى إلى موت الناس جوعا ، وعمت الفوضى فى البلاد وانتشرت أعمال السلب والنهب بين الناس ، وأشتدت المجاعة على الناس فأضطرهم ذلك لأكل الميتة ، وأكل الحيوانات والدواب ، حتى وصل بهم الحال لأكل بعضهم بعضا ، وقد ذكر ابن إياس " أن الناس أكلت الميتة بل وصل بهم الأمر لأكل الأحياء من الناس أيضا ، فكانوا يضعون الخطاطيف فوق المنازل فى الأحياء والحوارى ؛ لإصطياد الناس المارة بالشوارع من فوق الأسطح وقتلهم وأكلهم ، فقل عدد الناس فى البلاد مما تسبب فى موت ثلث سكان مصر بسبب هذه الأزمة التى حلت بالبلاد فى العصر الفاطمى .

2- السبب الثانى والأهم لحدوث الشدة المستنصرية هو حدوث خلافات طاحنة بين الجنود الأتراك والبربر من جهة والجنود السودانيين من جهة أخرى وجميعهم تابعين للدولة الفاطمية ، فأدت هذه الخلافات بينهم لنشوب المعارك والصراعات مما جعل الجنود السودانيين يهربون إلى الصعيد فى جنوب مصر ، فعملوا على التخريب والإفساد انتقاما من الأتراك والبلد ، وقاموا بتخريب مصادر الرى هناك ، وعملوا على تدمير وتخريب طرق نقل البضائع من وإلى القاهرة ؛ مما نتج عنه أزمة شديدة فى الزراعة والتجارة وغيرها وانتشار الفوضى في البلاد .

3- وكان من ضمن أسباب الشدة المستنصرية بل ومن أهمها هو تحكم والدة الخليفة المستنصر فى مقاليد الحكم ، واستمرت فى إدارة شئون الحكم بالنيابة عنه فى أغلب أمور الدولة ، بل وصل بها الأمر أنها كانت تعين الوزراء حسب هواها ، فكان يتم تغيير الوزير كل شهر وكل أسبوع وأحيانا كل يوم ، وكل هذا أدى إلى فساد وخراب مصر وكان سببا فى حلول الكوارث على البلد .

4- ومن الأسباب الأخرى التى أدت لهذه الأزمة والشدة المستنصرية جشع التجار وتحكمهم فى السلع وخصوصا السلع والأغذية الحيوية و الهامة بالأسواق التجارية مثل : القمح والغلال واللحوم والخضروات وغيرها مما أدى إلى نفاذ هذه السلع من الأسواق والشارع المصرى ، وتحكم فئة قليلة فيها من أصحاب النفوذ من التجار وغيرهم من هؤلاء المحتكرين عديمى الدين والضمير ، فكل هذا تسبب فى حدوث مجاعة وأزمة شديدة فى البلاد .

استدعاء بدر الدين الجمالى

للقضاء على الشدة المستنصرية وإنقاذ مصر منها .

طلب الخليفة الفاطمى المستنصر من القائد بدر الدين الجمالى أمير الجيوش وهو بعكا أن يأتى لمصر ؛ لنجدته ومساعدته وتخليص البلد مما لحق بها من فساد ودمار وتخريب ، وأن يساعده فى رجوع سلطته على البلاد بعد أن فقد السيطرة عليها تماما وفلت زمام الدولة من يديه ، وبالفعل وافق بدر الدين الجمالى الحضور لمصر ، وقد وضع خطة محكمة للقضاء على الفساد الذى لحق بمصر. والقضاء على كل رؤوس الفتنة من المفسدين الذين خربوا ودمروا البلاد ، فأول عمل قام به هو القضاء على الأمراء الأتراك الذين سيطروا على البلد ودمروها بسبب فسادهم ، فعمل على قتلهم جميعا ، ثم قتل كل من عرف عنه فساده وظلمه من الأمراء ، والوزراء ، والقضاة وغيرهم ، حتى قيل عنه إنه قتل من أهل مصر خلائق كثيرة لايعلم عددها إلا خالقها ، فقد قتل من أهل البحيرة نحو عشرين ألف إنسان ، وقتل من أهل دمياط ، والإسكندرية ، والغربية والشرقية ، وبلاد الصعيد وأسوان ، وأهل القاهرة ، حتى تم له السيطرة على البلاد ورجوع الأمن فيها ، وحتى قيل عنه إنه كان يعمل فيها عمل الملوك ، واستطاع تعمير البلاد وإصلاحها بعد خرابها وفسادها ، وعمل على ضبط الأسواق المصرية وإصلاحها ، وتوفير السلع الغذائية للناس ، وضبط الأسعار ، والقبض على التجار الجشعين ، وأعاد التجار الأمناء الذين هربوا خارج البلاد خوفا على أموالهم وأنفسهم ، فأعادهم وأمنهم على أنفسهم وتجارتهم ، حتى استطاع بذلك ضبط الأسواق وتوفير الغذاء للناس ، والقضاء على الأزمة التى حلت بالبلاد .

وفى النهاية نرى أن الشدة المستنصرية كادت أن تقضى على مصر وأهلها لولا تدخل عناية الله عز وجل ، بأن أرسل لها بدر الدين الجمالى ذلك القائد العظيم الذى استطاع بأمر الله أن يقضى على هذه الشدة ، ويحارب الفساد والمفسدين الذين تسببوا فى حدوث هذه الأزمة وخراب البلاد .