كيف كانت حياة عمر بن الخطاب فى ظل حكمه للدولة

كيف كانت حياة عمر بن الخطاب فى ظل حكمه للدولة
(اخر تعديل 2023-12-27 13:14:28 )

عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه هو واحد من أهم الشخصيات الإسلامية فى التاريخ إلاسلامى على مر التاريخ ، وصاحب الفتوحات الإسلامية العظيمة فى الدولة الإسلامية. وفى السطور التالية سوف نتعرف على نشأته وحياته حتى مقتله على يدى أبى لؤلؤة المجوسى .

نشأة عمر بن الخطاب فى الجاهلية

نشأ عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى مكة المكرمة وتربى فى إحدى بطونها فى قبيلة بنى عدى بن كعب ، وشب كغيره من فتيان قريش يدين دين الوثنية ، بل عندما نزل الإسلام بمكة كان عمر بن الخطاب ممن قاوموا هذا الدين واضطهدوا أتباعه بشدة ، ووصل به الأمر أنه اضطهد حتى أقاربه من بنى عدى بن كعب ممن آمنوا بهذا الدين واتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكان ممن ناله أذى واضطهاد عمر بن الخطاب بسبب دخولهم دين الإسلام أقرب الناس إليه أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد .

اشتغال عمر بن الخطاب بالرعى والتجارة

إن الاشتغال بالرعى والتجارة من المهن الفاضلة التى عرفت عند العرب فى الجاهلية والإسلام ، وقد كان أفضل الخلق أجمعين النبى محمد صلى الله عليه وسلم يعمل برعى الأغنام ، فقال : ( كنت أرعاها لقراريط لأهل مكة ) ، أما عمر بن الخطاب رضى الله عنه اشتغل بالرعى ، وعاش فى صغره حياة الفقر والعوز وشدة العيش وقسوته ، وهى حياة تجعل الفرد أكثر مقاومة للصعاب والشدائد وأشد تحملا للمسئولية ، وأبعد عن حب الدعة والراحة والترف ، وقد اشتغل عمر بن الخطاب بالتجارة ، فقد كان رضى الله عنه عند هجرته يمتلك ثروة كبيرة ، فلقد قال لعياش بن أبى ربيعة حينما أراد الرجوع إلى مكة بعد هجرته : ( والله إنك لتعلم أنى لمن أكثر قريش مالا ، فلك نصف مالى ولا تذهب معهما ، أى مع أبى جهل والحارث بن هشام .

قوة وشجاعة عمر بن الخطاب

امتاز عمر بن الخطاب رضى الله عنه بالقوة الجسدية والشجاعة القلبية طوال حياته ، فكانت تهابه الناس فى كل مكان ، وتخشاه الأعداء ، وكان فى الحروب والغزوات كالأسد المغوار ، وقد ظهرت شجاعته عند هجرته إلى المدينة ، فحين بدأ المسلمون يهاجرون للمدينة كانوا يهاجرون سرا ؛ خشية من كفار قريش وأذاهم ، لكن عمر بن الخطاب رضى الله عنه هاجر علانية ولم يخش أحدا من قريش ، وهو الذى عرف بشجاعته التى كان يهابها ويخشاها حتى زعماء وكبراء قريش ، فهاجر أمام كفار قريش حاملا سيفه ، وطاف حول الكعبة المشرفة ، ثم قال للمشركين : ( من أراد أن تثكله أمه ، وييتم ولده ، ويرمل زوجته فليلقنى وراء هذا الوادى ) ، فلم يجرؤ أحد من المشركين على اللحاق به أو منعه من الهجرة .

إسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه

ذكر ابن إسحاق رحمه الله تعالى أن إسلام عمر رضى الله عنه كان بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة ، والتى كانت فى شهر رجب من السنة الخامسة للبعثة ، وروى أن إسلامه كان فى السنة السادسة من البعثة ، وكل الروايات التاريخية تؤكد أن إسلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان فى السنة السادسة من البعثة .

سبب إسلام عمر

قيل إن سبب إسلامه هو تأثره بالقرآن الكريم وسماعه له ، وتوجد روايتان ترويان سبب إسلامه نذكر إحداهما : عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : خرج عمر متقلدا سيفه فلقيه رجل من بنى زهرة فقال : أين تذهب يا عمر ؟ فقال : أريد أن أقتل محمدا ، قال : وكيف تأمن بنى هاشم وبنى زهرة إن قتلت محمدا ، فقال عمر : ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذى أنت عليه ، فقال هل أدلك على أعجب من ذلك يا عمر ؟ إن ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك الذى أنت عليه ، حينها غضب عمر بشدة وذهب إلى بيت أخته وطرق الباب بشدة ففزع كل من بالبيت ، وكان عندهما رجل يقال له خباب كان يعلمهما سورة طه من سور القرآن الكريم ، فلما سمع صوت عمر فزع وتوارى فى البيت خوفا منه ، فدخل عليهما عمر البيت وقال ما هذه الهيمنة التى سمعتها عندكم ؟ فقالا : ما عدا حديثا تحدثناه بيننا ، قال عمر : فلعلكما قد صبوتما ، فقال له ختنه : أريت يا عمر إن كان الحق فى غير دينك ؟

فوثب عليه عمر ، ووطئه وطئا شديدا ، فجاءت أخته ودفعته عن زوجها فلطمها عمر على وجهها لطمة شديدة أدمت وجهها ، فقالت وهى غضبى : وإن كان الحق فى غير دينك يا عمر ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فلما يئس عمر ، قال اعطونى هذا الكتاب الذى عندكم فأقرأه ، فقالت له أخته : إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون ، فقم واغتسل وتوضأ ، فقام عمر فاغتسل وتوضأ وأخذ الكتاب ، وقرأ الآيات الأولى من سورة طه حتى انتهى لقوله تعالى : { إننى أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدنى واقم الصلاة لذكرى } صدق الله العظيم .

فقال عمر دلونى على محمد ، فلما سمع خباب قول عمر خرج من داخل البيت ، وقال : أبشر يا عمر ، فإنى أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك يوم الخميس : ( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين بعمر بن الخطاب أو بعمرو بن هشام ) ، ثم قال له : رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الدار التى فى أصل الصفا فانطلق عمر حتى أتى الدار ، وكان على الباب حمزة وطلحة وأناس من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى حمزة وجل وخوف الناس من عمر قال : نعم فهذا عمر ، فإن يرد الله خيرا بعمر يسلم ويتبع النبى ، وإن يرد غير ذلك يكون قتله علينا هينا ، وكان النبى داخل البيت يوحى إليه ، فخرج النبى صلى الله عليه وسلم وأخذ بمجامع ثوب عمر وحمائل السيف ، وقال: ( أما أنت منتهيا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزى والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ، و قال : اللهم هذا عمر بن الخطاب اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب ) فقال عمر : أشهد أنك رسول الله ، واسلم عمر منذ هذه اللحظة ، وأصبح المسلمون فى عزة ومنعة بإسلام عمر وحمزة بن عبد المطلب ، وأصبحوا يدعون الله علانية بعدما ظلوا يدعون الله سرا طوال الست سنوات الماضية خوفا من بطش الكفار .

عمر بعد الإسلام

لقد كان عمر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المقربين وممن شهد لهم الرسول بكمال الإيمان وصدق اليقين ، ومما يدل على قوة إيمانه قوله للحجر الأسود : ( أما والله إنى لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أنى رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يقبلك ماقبلتك).

اجتهاده فى الطاعات

كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يكثر من فعل الطاعات والقربات إلى الله عزوجل من الصلاة والصيام والصدقة ، والمداومة على قيام الليل ، فكان يصلى من الليل ما شاء الله ، وكان يوقظ أهله للصلاة ، ويقول لهم : الصلاة الصلاة ، ويتلو هذه الآية : { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسئلك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى } سورة طه .

أخلاق عمر وصفاته

كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يتصف بالكثير من الصفات الحميدة : كالتقوى ، والزهد ، والكرم ، والشجاعة ، والرحمة ، والصدق ، والوفاء ، والعدل وغيرها من صفات الفضيلة .

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه أكثر الصحابة خشية لله عزوجل ، وغيرة على الدين الإسلامى ، وأكثرهم حزما فى تطبيق حدود الله عز وجل، وكان يحب أن يقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم فى كل شىء من حياته فى صلاته ، وصيامه ، وعمله ، وقيامه الليل ، وجهاده فى سبيل الله ، وطعامه و شرابه .

فتوحات عمر الإسلامية

أحب عمر بن الخطاب الجهاد فى سبيل الله منذ دخوله الإسلام ، وخاض أغلب الغزوات الإسلامية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يتخلف عن أى غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات الرسول ، وعندما تولى عمر حكم الدولة الإسلامية بعد أبى بكر الصديق رضى الله عنه ، اتسعت رقعة الدولة الإسلامية فى عهده وشملت من أقاصى البلاد لأدناها ، فقد نجح الفاروق عمر رضى الله عنه فى سنوات خلافته العشر أن يؤسس أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ ، لتمتد هذه الإمبراطورية من بلاد فارس وحدود الصين شرقا إلى مصر وبلاد المغرب غربا ، ومن بحر قزوين شمالا إلى اليمن والسودان جنوبا .

ففتحت العراق وبلاد فارس ، و أذربيجان ، وأرمينيا ، وجورجيا ، وسوريا ، وفلسطين ، والأردن ، ولبنان ، ومصر ، وأفغانستان ، وتركمانستان ، وجنوب غرب باكستان ، وجزء من بلاد المغرب ، واستطاع عمر بن الخطاب فى ذلك الوقت أن يقهر أقوى قوتين على وجه الأرض وهما الفرس والروم ويحطم كبرياءهما .

مقتل واستشهاد عمر بن الخطاب

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأل الله الشهادة فى سبيله دائما ، وأن يجعل موته فى بلد رسوله ، فكان يقول : ( اللهم ارزقنى الشهادة فى سبيلك واجعل موتى فى بلد نبيك ) ، وقد رأى عمر رؤيا فى المنام ، فقال : ( رأيت كأن ديكا نقرنى ثلاث نقرات وإنى لا أراه إلا حضور أجلى ) .

ودنت ساعة القدر المحتوم التى أصيب فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يصلى صلاة الفجر فى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة حيث تقدم الصفوف ؛ ليؤم المسلمين ودخل فى الصلاة فطعنه أبو لؤلؤة المجوسى لعنة الله عليه ، وطعنه بخنجر ذى طرفين ، فسمعه من خلفه يقول قتلنى الكلب ، فعلموا أنه طعن ، وطعن مع عمر ثلاث عشرة رجلا من الصحابة ، ومات منهم سبعة ، ولما قبض على أبى لؤلؤة نحر نفسه بذات الخنجر ومات .

• ومات عمر بن الخطاب وانتقل إلى جوار ربه عزوجل مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .

وروى أنه توفى ليلة الأربعاء فى شهر ذى الحجة فى العام الثالث والعشرين من الهجرة ، ودفن بجوار النبى وأبى بكر الصديق .

ولقد خيمت على مدينة رسول الله سحابة من الحزن والغم والكرب الشديد بموت عمر بن الخطاب رضى عنه ، فلا تجد بيتا فى المدينة إلا باكيا على عمر ، فلم يتمالك أهل بيته وأصحابه أنفسهم فجاشت أعينهم بالدمع وارتفعت أصواتهم بالبكاء عليه فنهاهم عن هذا قبل موته.

وقال ابن مسعود رضى الله عنه وهو يخطب فى أهل الكوفة : أما بعد ، فإن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مات ، فلم نر يوما أكثر نشيجا من يومئذ .

ومن خلال تتبعنا لسيرة عمر بن الخطاب العطرة وحياته المليئة بالإنجازات والفتوحات الإسلامية التى ملأت مشارق الأرض ومغاربها ، نرى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه واحدا من أعظم القادة الذين حكموا وتولوا إمارة الدولة الإسلامية فى التاريخ الإسلامى .

المراجع :

كتاب شهيد المحراب الفاروق عمر بن الخطاب / عبد السلام آل عيسى .